مواضيع - أبوياسر78
إِنَّ الْحَـــــــمْدَ لِلهِ تَعَالَى، نَحْمَدُهُ وَ نَسْتَعِينُ بِهِ وَ نَسْتَهْدِيهِ وَ نَسْــتَنْصِرُه
وَ نَــــعُوذُ بِالْلهِ تَعَالَى مِنْ شُــــرُورِ أَنْفُسِنَا وَ مِنْ سَيِّئَــــاتِ أَعْمَالِنَا
مَنْ يَـــهْدِهِ الْلهُ تَعَالَى فَلَا مُضِــــلَّ لَهُ، وَ مَنْ يُـضْلِلْ فَلَا هَــــادِىَ لَه
وَ أَشْــــــــــهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الْلهُ وَحْــــــدَهُ لَا شَــــــرِيكَ لَه
وَ أَشْـــهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، صَلَّى الْلهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَا
أَمَّـــا بَعْــــد:
{{ العقيدة والمجتمع }}
((للأمانة..الكاتب** أحمد بن عبد الرحمن القاضي))
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فقد سبق الحديث عن (العقيدة والجماعة) باعتبار الأولى أساس الثانية، وسر تكوينها، ومصدر قوتها. وحديثنا اليوم عن تأثير هذه العقيدة في المجتمع الحاضن لها، وفعلها الظاهر والخفي في نفوس أفراده.
حين يصطبغ المؤمن بصبغة الله، يورثه ذلك انجذاباً طبيعياً إلى شاكلته، وميلاً عميقاً إلى شركائه في الإيمان؛ فيحمله ذلك على (الهجرة) إليهم إن كان بعيداً عنهم، وانتماءً إليهم، وانغماساً فيهم، إن كان بين ظهرانيهم. فيشعر المؤمن بالأخوة الإيمانية في قلبه، كما وصف - تعالى -: (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الأنفال: 62- 63، وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات: 10. وقد ضرب المؤمنون الأوائل أروع الأمثلة، عند بناء المجتمع الإسلامي الأول، في المدينة، حتى قيل: (ما نزل مهاجرٌ على أنصاري إلا بقرعة). والعجب أن هذه الأخوة الإيمانية لا تنفصم عراها، ولا تنحل عقدتها، حتى لو استزل الشيطان أحد أفرادها فقتل أخاه! قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) البقرة: 178، فسمى القاتل أخاً للمقتول!
وتثمر هذه الأخوة القلبية أداءً اجتماعياً فريداً، لا يقوم على روح التنافس، والتجاذب، والتنافر، بل على التعاون، والتناصح، قال - تعالى -: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة: 2، كما تكسب أفرادها رعايةً للحرمات، وصيانةً للعلاقات، قال - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا! التقوى ههنا! التقوى ههنا! ويشير إلى صدره. بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وعرضه، وماله) رواه مسلم وغيره.
إن تنمية الباعث العقدي، والروح الإيماني، أعظم ضمانات المجتمع الإسلامي، وأقوى أسباب تماسكه ووحدته؛ فهو يصهر الشعوب، والقبائل، والأعراق، واللغات، في رحاب المجتمع الواحد، الذي يعبد الإله الواحد، ويتبع النبي الواحد، ويؤمن بالكتاب الواحد، ويسمع، ويطيع للإمام الواحد، على قلب رجل واحد.
وحين يستقر هذا الاعتقاد، وتسود هذه الثقافة المجتمعية الإيمانية، تتلاشى صور التحزبات الباطلة التي تفصم عرى المجتمع، وتنتقي التصنيفات المحدثة التي تقطع أوصاله، ويبدو الجميع أمةً واحدة، على مراتب متفاوتة في سلم الإيمان والعمل، لكن يسعهم اسم الإيمان، وإن تفاضلوا فيه.
وحين ينظر المرء إلى العقد الاجتماعي الذي يربط الأمم الأخرى يدرك ضحالة غوره، وهشاشة بنائه العقدي المؤسس على روابط نفعية دنيوية، أو عصبيات قومية، قابلةٍ للكسر. وحين يتأمل أرقى صور الأداء لتسيير المجتمع والأمة متمثلةً في (الديموقراطية) الغربية، يبصر ما تفرزه من مشاحنات، ومكائد، ودسائس، وضغائن، وتصفية حسابات للغالب على المغلوب، فيما يسمى بالدولة المدنية الحديثة!
إن العقيدة الصحيحة تبني المجتمع الإسلامي بناءً متيناً، متماسكاً، مشدوداً كالبنيان: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) ثم شبك بين أصابعه. متفق عليه. فما أحوج الأمة الإسلامية اليوم إلى إحياء مكنون العقيدة، وما أغناها عن طرائق اليهود والنصارى والذين لا يعلمون. ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
تعليق